الموت أو العيش بلا هوية أونسب يربطك بماضيك هذا هو المفهوم الذي يفكر فيه معظم الشباب.... على سبيل المثال ...هذه تجربة مررت بها وكان ذلك أول مرة في حياتي ..كنت مازلت في المرحلة الثانوية .. لفكرة الهجرة بدون وثائق قانونية .الحريك . كنت أنا و صديق لي من حينا تفكيرنا الوحيد هو الهروب من هذا البلد الجميل ... الذي ترعرعنا بين احضانه كنا مازلنا نعبث بالأمور و لا نعلم شيئا عن الحياة و مدلولاتها وعن الوطن والتشبت بالهوية .... فكان القرار .... إلى أن جاء ذلك اليوم وكانت الساعة تشير إلى 12 ليلا تسللنا عبر الأزقة ودهاليز المدينة القديمة حتى حصن دار البارود المطل على الميناء حيث من خلاله يمكننا التسلل خفية دون أن يشعر بنا حراس الأمن .... تملكني شعور غريب ربما الفرحة أو المصير المجهول الذي ينتظرني مر الليل طويلا وقارصا علينا ولكن لم يكن ذلك مهم لأن الحديث الذي كان يجول بيننا هو السبيل أو الطريقة التي ندخل بها إلى الميناء وكانت لحظة الدخول حين رأينا شخص لا نعرفه يقفز من فوق السور ... لم أقل شئ ولكن صديقي رفض طريقة الولوج إلى المكان ولكن كان ذلك خيارنا الوحيد إمتلكني شعور غريب حينما دخلنا إلى الميناء بحيث كان هناك سكون مرعب وظلام حالك ...مرت ساعتان على اختبائنا خلف الشاحنات والقاطرات و الحاويات المخصصة للسلع ... فعزمنا على البحث عن طريقة لإيجاد مكان نختبأ فيه بعيدا عن أنظار رجال الجمارك والشرطة عند النقطة التفتيشية للميناء .. فإختبأنا كل على حدا تحت الشاحنة التي تحمل علامة مرقمة للدول الأوربية ........ لحظات من الخوف و الفرح ممزوجة بنوع من الحيطة والحدر من مصيرنا المجهول فكانت لحظة حاسمة عندما إنطلقت الشاحنة نحو نقطة التفتيش ولكن لسوء الحظ تم القبض علينا من طرف رجال الشرطة الذين لم تكن لديهم قلوب الرحمة حاول صديقي الهرب منهم ولكن دون جدوى. مر وقت طويل علينا ثم نقلونا إلى مركز الشرطة القريب من ذلك المكان وهناك كانت قصة أخرى قصة من الألم والظلم والإستغلال
بحيث مرت علينا جميع وسائل التعذيب من ضرب وشتم ولم يقتصر على ذلك بل حتى المكان الذي كنا فيه كان باردا جدا والجوع
...ثم أتى شرطي فقال لنا: من لديه بطاقة وطنية لم يجب أحد فقال ما هي أسمائكم ثم أخد لنا أسمائنا ومكان عيشنا وجميع التفاصيل المتعلقة بنا لكن أعطيناهم جميع التفاصيل خاطئة ...قضينا في المركز مدة 24 ساعة ثم خرجنا... وكانت هذه التجربة هي البداية وليست النهاية رغم كل الظروف التي مرة علينا لن أستسلم مهما جرى وسأكرر مرة تلوى الأخرى كي أصل إلى المراد.....إلى .ارض الروم. كما أسميها لحد الآن .....فكانت الرحلة دائما إلى ميناء طنجة حيث كنا نتربص دوما بالشاحنات المحملة بالبضــائع و التي تستعد لعبور المضيق ، بحثا عن مخابئ سرية في الأسفل قريبا من العجلات أو المحرك ، حيث نقضي أزيد من عشرة ساعة بين أحضان الخطر فنراهن على أنفسنا إما النجاة من الخطر أو الوقوع بين يدي رجال الأمن ..... والرهان الذي كنا نسعى إليه هو أن تشرق الشمس على وجوهنا المتعبة ونحن على أرض رومــــــا ،
ومع مرور الأيام أصبحت أعاتب نفسي على تصرفاتي وإندفاعاتي الغير المبررة للإقدام على هاته المخاطرة ...لما اسمعه عبر وسائل الإعلام من فواجع تصم الأذان وتدمي القلب
....
فمن منا في هذا الوطن لا يتذكر أبا
،أخا، جارا
، صديقا.
.... إبتلعه البحر من بين احضانه وهو في طريقه إلى هذه الضفة، التي أصبحت تستأثر باهتمام الشباب المغربي الذي لم تعد الظروف الاجتماعية والاقتصادية هي التي تدفعه فقط للهجرة، بقدر ما البحث عن متنفس جديد لتفجير طاقاته وإبدعاته، هي من أهم الدوافع والأسباب، لأن الكثير منهم ترك مورد عيش مهم واختار الارتماء في أحضان المتوسط .... أنــــــدد واقول .... أن الموت في البحر قد يثير على الأقل شفقة وانتباه من بيدهم الشأن السياسي والاقتصادي بهذا الوطن، لأن وتيرة الهجرة السرية اليوم لا يمكن عزلها عن باقي الحركات الاحتجاجية التي يعرفها المغرب، الأمر الذي يفرض أن نستدرج أذهاننا نحو التفكير الجدي عوض الاكتفاء بالتعاليق الصحفية التي تسرد الوقائع والأحداث، دون أن تركز على الأبعاد الاجتماعية والنفسية لهذه الظاهرة التي تسحق يوميا عشرات الشباب، والدولة بجهاتها الرسمية وغير الرسمية لم تحرك ساكنا إزاءها حتى و نحن نفقد يوميا ما لم تفقده الدول في الحروب ... فأي مبرر اليوم للسكوت عن هذه الجرائم التي أصبحت تفاصيلها تلوكها الألسن قبل وسائل الإعلام؟ ألم يحن الوقت بعد ونحن فقدنا آلاف الشباب لنسئل المقاربة الأمنية التى لم تعد ذات جـــــدوى في هذا الميدان أو غيره؟ أليس من الأجدى بباحثينا أن يكفوا عن الدراسات ذات المنحى الإحصائي والانطباعي ليس إلا...؟ .....؟
فالهجرة السرية مغامرة إنتحارية تعددت اسباب اللجوء إليها وتعذرت الحلول للقضاء عليها . وتبقى البطالة والفقر وسوق الشغل الهش والمنظومة الإجتماعية والإقتصادية الأكثر هشاشة أهم أسباب ركوب قوارب الموت نحو المجهول ......
تحياتي الخالصة ....