ميمونة وبيت
المقـدس
كان حضوري درساً للعلم في رحاب بيت
المقدس،دافعاً قوياً لكتابة هذه الخواطر، على الرغم أن الفكرة تدور في فكري وقلبي منذ أيام طوال، ولكنها بقيت حديث نفسي لنفسي، تجول بين قلبي
وعقلي، ولم أحولها حبراً على ورق، حتى جاء هذا اليوم الجميل الذي سمعت فيه من لسان الداعية
التي ألقت علينا الدرس الحديث المروي في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود : عن ميمونة مولاة النبي
صلى الله عليه وسلم قالت: قلت يا رسول الله:
أفتنا في بيت
المقدس، قال: أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: فتهدي له
زيتا يسرج فيه، فمن فعل فهو كمن أتاه.
لم تكن بتاتاً المرة
الأولى التي سمعت فيها هذا الحديث، فلطالما كُرِرَ على مسامعنا في محافل ذكر فضائلالمسجد الأقصى وأكنافه ، ولكنها كانت المرة الأولى التي التفتُ فيها إلى المعنى
الجميل الذي أيقظته فينا الداعية – جزاها الله عنا خيراً – و جعلتني – أنا على
الأقل- أتأمل قليلاً في وضع المسلمات في عصرٍ كثُرَت فيه الفتن، وقل من ثبت
وصبر.
إنها
أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، زوجةُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، من
الحافظات والراويات لحديث رسول الله عليه الصلاة والسـلام التي نزّل فيها القرآن من
فوق سبع سموات في سورة الأحــزاب : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت
نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين )، عن أي
شيء تسأل؟ تسأل عن رمز عقيدة الإسلام والمسلمين، تسأل عن قلب العالم الإسلامي، تقول
يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس ، وحين أجابها الحبيب عليه الصّـلاة والسّـلام،
لم تكتفي بذلك، بل اتسعت مدارك عقلها لتسأله مجدداً :أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل
إليه؟. لقد أدركت ميمونة فضل بيت المقدس، فبادرت بسؤال حبيبها طب القلوب وشفائها
رسول الله عليه الصلاة والسـلام، تسأله أن ماذا عساي فاعلة إن لم أقدر على الوصول
إليه ! إنها لا تريد أن تفقد أجراً ولا فضلاً فحاولت طرق مختلف الأبواب وسلوك شتى
السبــل، وبسؤالها هذا وبجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، اقتدى المسلمون،
ففي قلب المسجد الأقصى المبارك بئر كان تستعمل فيما مضى من الزمان لخزن الزيت
المهدى إليه ليُسرج به!.
هذه هي اهتمامات المرأة القرآنية الحقّـة، قلبها وعقلها
في عقيدة المسلمين ومظاهر عزتهم وقوتهم، أما الآن، فيا حسرتاه على
الآن!
مـا هي اهتمــامـات مسلمات
هذا العصر ؟
لو سألنا أنفسنا – في هذه الأيام – هذا السؤال لخجلنا
وتعبنا حتى من السؤال نفسه، ناهيـك عن إجابته الصعبة. فلو قمنا بعملية إحصاء بسيطة
لوجدنا اهتمامات نساء المسلمين – إلا من رحم ربي وهدى – لا تتجاوز الاهتمامات
الشكلية الظاهرية، من لباس أو منظر أو أكل وطبخ أو جارة أو قريبة ، حتى أصبحوا في
بلاد العرب إذا أرادوا أن يستخفوا بحديث ما قالوا عنه (كلام نسوان)
.
ما زال الدعاة في عصرنا هذا يتلقون أسئلة كنوع : ما حكم
طلاء الأظافر؟، هل تقبل صلاتي وأنا غير محجبة؟، ما حكم الماكياج؟.. وقليل منهم من
يتلقى أسئلة كهذا النوع : كيف أغرس في قلب أولادي العزة والإسلام؟، كيف أدعو
جاراتي؟
ولم تزل النساء في عصرنا – وأعود وأكرر إلا من رحم ربي
وهدى – تبحث عن صالونات تجميل الوجوه أو تخميل الشفاه، وقلما تجد من تبحث عن
صالونات الثقافة والعلم، عن صالونات تجميل القلوب وتخميل (أو تكبير)
العقول..
يحدثني أحد العاملين في مؤسسة كبيرة، والتي تقوم أحياناً
بتنظيم ندوات أو لقاءات مصغرة، ومجموعات بحث، يحدثني شاكياً، يقول: (عندما أحضر
لقاءً، ويكون للنساء نصيبٌ منه، أشد ما يؤلمني أن أجد المتبرجات هناك، أن أجد
النصرانيات هناك، مشاركات حاضرات فعالات، وأن أجد غياب ملحوظ للمرأة المسلمة
الواعية الملتزمة!، وأحياناً تكون هذه اللقاءات مع أجانب جاءوا إلى بلادنا مستكشفين
فيكون الشرط الضروري لمن يحضر مثل ذاك اللقاء ويشارك فيه بفعالية أن يتقن
الإنجليزية، فلماذا لا نجد في مثل هذه اللقاءات فتيات مسلمات ناضجات يتقن اللغة
الإنجليزية وينقلن صورة المسلمة المشرقة للآخر )، ويضيف : ( إنّ هذا تكريس لمن ينشر
فكرة أن المرأة المسلمة إذا التزمت تخلفت! فلتنتبه نساءُ الإسلام
).
فانتبهي يا ابنة الإسلام، وانظري ما
هو هدفك؟ ما هو همّك ؟ ماذا تحملين فوق أكتافك ؟
أأكتافك تئن من ثقل الأمانة، أم أكتاف الإسلام تئن من ثقلك عليها؟! أهمك في معالي
الأمور أم في صغائرها؟ وقبل ذاك وكله : ألك همٌ – بالأساس – تعيشين له وبه ومعه
؟؟!
وفي هذا
المقــام، أصيغ على منوال مقولة قل لي من تصاحب أقل لك من أنت، لأقول قل لي ما
همّك، أقل لك من أنت! .. هو الهم شقيق الهمّة، ورفيقها في دربها ورافع عزيمتها
وقوتها، ولا أجد أبلغ من تعريف الإمام العالم ابن القيم في كتابه القيّم < مدارج
السالكين > حيث قال في تعريف الهِمّة: ( والهمّة فِعْلَة من
الهمِّ، وهو مبدأ الإرادة، ولكن خصوها بنهاية الإرادة، فالهمُّ مبدؤها والهِمة نهايتها ).
وقال – رحمه الله - والعامة تقول
: قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب، فإن
قيمة المرء همته ومطلبه) .
فاجلسي مع
نفسك ، أيتها المسلمة واسأليها ، ما همّك ؟ وأين همتك فيه ؟ ورددي معي – محاسِبَةً
نفسك- ما أنقله لكِ من كتاب : معالم السلوك للمرأة المسلمة: لم أخلق لأعيش هذا
العبث الذي يعيشه الناس اليوم، إني صاحب مهمة في نفسي، مهمة في بيتي، مهمة في أمة
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الأيام تمر على الواحد وعلى الواحدة منا.. والأمة
تحترق بنار الغفلة.. بنار تسلط أعدائها عليها .. بنار الإعراض عن الله.. وليس لي
إسهام في لحظة أو ساعة صادقة أتوجه بها إلى الله ليرفع عن الأمة ما نزل ! ما الذي
حصل لي في التلبد؟؟ كم من دماء المسلمين الآن تهراق؟ كم من أعراض المسلمين تنتهك؟
كم من المسلمين يواجهون ربهم بما يعود عليهم بالعار والشنار؟ يواجهون نبيه بما يحزن
قلبه؟ ما هي مهمتي في هذا الحال؟ في هذا الوضع؟ أأعيش هكذا كالسائمة لا قيمة لي؟!
أليس لي شوق إلى الله وطلبٌ في الارتقاء إلى الله؟! ألم
تنفتح لي أبواب في معرفة الله تعالى وطلب ما عنده،ألم أخطُ خطوات في تزكية نفسي؟
أتأتي ساعة الموت وأنا على هذا الحال؟ وأنا بهذا العيب؟ والعيب الأعظم من هذا
العيب، جهلي بهذا العيب ؟؟! اهــ.[ بتصرف يسير ].
كم هو مؤلم أن لا نستطيع
البوح بما داخلنا وتصمت الكلمات
على شفاهنا بالرغم من
الحنين والشوق،،