إبن الجبل مشرف المنتديات العامةمراسل
عدد الرسائل : 929 العمر : 43 المدينة : باب البحر- القصبة - طنجة الهواية : المطالعة مزاجي : Personalized field : <IFRAME WIDTH="150" HEIGHT="90" SRC="https://morocco.jeun.fr/html-h6.htm"></IFRAME> تاريخ التسجيل : 21/07/2007
| موضوع: هل يمكن للإنسان أن يمتلك ثقافة الفرح وهو حمال للحطب؟؟ الأحد مايو 04, 2008 7:48 am | |
| الهدف الأساسي لأي كائن بشري هو بلوغ السعادة كقمة مثلى لكرامته.. والسعادة تتحقق انطلاقا من توفر مجموعة من الشروط وتختلف من مجتمع إلى آخر ويتحدد مفهومها من الموقع الاجتماعي للفرد.. والوصول إليها يتم وفق ما قد يحققه الفرد لنفسه أو ما قد يتحقق له انطلاقا من الأفراد آخرين عبر منظومة مفاهمية تتشكل على موازين الضعف والقوة.. وهاجس الوصول إليها يغلب الأنا .. فيتم البحث عن سعادة فردية على حساب تعاسة مجتمع بكامله.. فهل يتحكم الغنى والفقر في تحقيق هذه الغاية أو بعبارة أخرى هل الإمكانيات المادية وحدها كفيلة بإنبات زهرة السعادة أم أن قطفها لا يتم إلا من خلال الشقاء؟ هذه الأسئلة ارتسمت أمامي وأنا أستحضر وضع المرأة في البادية المغربية وعاد بي ذلك إلى أيام طفولتي التي قضيت معظم لحظاتها ضمن فضاءاتها.. امرأة تمتهن الشقاء للإحساس بالسعادة أو هكذا يبدو لي على الأقل.. فحين يتحول هذا الكائن البشري الذي توجد تحت أقدامه الجنة إلى حامل للأثقال وعلى ظهره حزمة من حطب أثقل من الجبال المحيطة به يأتي به بعيدا وعبر عشرات الكيلومترات ومع ذلك يطلق العنان لحنجرته لتطلق مواويل كل مضامينها تتحدث عن السعادة وعن الفرحة والحبور.. وحين تحلم المرأة البدوية بزوج و تتساءل هل هو السعادة المنشودة ؟ علما أن لا شيء يتغير بين بيت الوالدين وبيت الزوجية سوى إضافة ثقل آخر. الذي أدركته أو تهيأ لي أن مفهوم السعادة لدى نساء البادية يتمثل في شيء مهم هو السمو بالنسبة إليهن ألا وهو الحرية وإذا كان الحصول على الحرية ينطلق من الشقاء الدائم فلا مانع لهن وهو ما يحقق لهن "السعادة" ولعل كلامي هذا ينطلق أساسا من هذا المشهد الذي تكررأمامي في غير ما مرة الوجوه منشرحة.. والابتسامة مرسومة على المحيا وهن مجتمعات عند الغروب قصد الاتفاق على موعد اللقاء من أجل الذهاب لفضاءات بعيدا عن القرية قصد جلب الحطب.. مع الفجر ينفلتن من الصخب اليومي الذي يؤثث فضاء القرية و ينطلقن وقد امتزج الأذان بأهازيجهن وكأنهن في لحظة زفهن إلى أزواجهن.. يقطعن مسافات طويلة لا تقاس بالأمتار أو الكيلومترات،بل يخضعن ذلك لمعيار زمني، أي عدد الساعات المستهلكة.. إنهن اليوم تخلصن من قيود البيت ومن غمزات ولمزات الأمهات ومن النظرات القاسية للأباء والإخوان وأحيانا الأزواج.. يخرجن في الظلام ويعدن في الظلام .. النوريتمثل في الخلاء الذي يحطبن فيه عالم أخاذ يزهو بحياة طبيعية تأسرهن ببساطتها.. الحياة هنا دون تصنع أو مساحيق أو تأويلات.. كل الأشياء تنساب أمامهن بعفوية وتلقائية حسب نظام طبيعي فطري..يحسسن البعد الإنساني.. يلقين بنظراتهن المنبهرة في بعد شاسع يفضي إلى التحام الفضاء بالأرض.. جبال تطاول عنان السماء في نقطة تعلن حدود المرئي وجوههن لفحتها أشعة الشمس الحارقة التي يقبعن تحت لهيبها طيلة النهار..قسوة الطبيعة وخشونة العيش أكسبتهن عضلات فولاذية أهلتهن إلى تحمل أعباءالحياة ومشاق العيش بكل كفاءة واقتدار.. لكن الذي لا يصدقه العقل هو قدرة تحمل كل هذا الشقاء وفي نفس الآن الإحساس بالسعادة بين الرواح والغدو قاسم مشترك يتمثل في الأهازيج والمواويل التي يطلقن لها العنان .. على ظهورهن الحطب وحناجرهن تبدع شعرا.. قصائد منبعها الشقاء ومبتغاها السعادة في ارتباط بالتراب وبهاراته.. بين اللحظة والأخرى يتوقفن للاستراحة وتبادل أطراف الحديث والمستملحات التي تفجر ضحكاتهن ليرد صداها الفضاء الشاسع المفتوح على الأفق.. عندها كنت أتساءل هل يمكن للإنسان أن يمتلك ثقافة الفرح وهو حمال للحطب؟؟ الآن فقط أدركت أن ثمن السعادة يساوي ثقلا لابد من تحمله لإدراك هذه الغاية النبيلة. اليوم زحف المدينة على القرية، غير الكثير من المفاهيم وتسربت إلى البادية طقوس أخرى احتوت كل تلك المظاهرالتي كانت تشكل مناسبة لقطف زهرة السعادة عند البدويين الذين تسرب تلوث المدينة لرئاتهم بدل نسائم الورد والزعتر والحناء. | |
|