رجل النظافة؟؟؟

بعثرت الأرزاق على رصيف الزمن الرديء، واختلفت المواقع والمنافع، وارتقى قليل من سعداء الحظ في الدرجات المجتمعية، وبقيت الأغلبية الصامتة في الظل تقاوم رطوبته الباردة .. وتنامت أعداد عاثري الحظ في بلاد التيرسي واللوطو والطوطوفوت ولعبة فوزو إربح...

فمع كل فجر جديد يتحرك رجال أشداء خانتهم الظروف.. وكتبت عليهم شقاء أبديا، ليعانقوا مع الطلائع الأولى للنهار المزيف روائح كريهة تنبعث من قمامات الأزبال ونفايات الإنسان الذي ما صار إنسانا ...

رجال عملت فيهم الأيام فعلتها الشنيعة ... يجوبون الأزقة وينظفون خبثها أو خبث أهلها .. بلا قفازات وقائية ..ولا ملابس خاصة بأعمال جمع القمامة تراهم يرفعون الأزبال إلى شاحنات لن تغامر أي شركة تأمين بتأمينها .....

الزبال إسم يخجل صاحبه أحيانا من ذكره لأنه يعي جيدا مدى حقارته في وطن غريب .. إسم يعد وصمة عار في المعاش اليومي لأن المهنة فعلا تفتقر إلى أدنى الشروط المتعلقة بالكرامة الإنسانية ... فلا اهتمام ولا رعاية ولا هم يحزنون أو يفرحون .. فعلى الرغم من أهمية الدور الذي يضطلع به رجال النظافة. ظروف عمل أكثر ردائة، وحوافز غائبة.. وحقوق مهضومة وبالرغم من ذلك هناك عمل متواصل ومردودية مرتفعة ...

أتدرون أن الزبال أو رجل النظافة هو أول شخص يتعرف على أسرار بيوتنا المنيعة من خلال أزبالنا وفضلات طعامنا، ومع ذلك فهو كتوم جدا لا يواجهنا بالحقائق البثة التي عبثا نحاول إخفاءها.. إنه يواصل مسيرته بحثا عن رزقه بين النفايات دون أن يقلب علينا المواجع أو يثير الزوابع. ورجال النظافة درجات تختلف أوضاعهم باختلاف أماكن عملهم ..فأولئك الذين يعملون في دوامة المغرب النافع يلعنون اللحظة الخبيثة التي عينوا فيها هناك، في حين نجد العاملين في الأحياء الفقيرة والشعبية فرحين جدا .. لأن هذه الأحياء تعرف تضامنا بروليتاريا وتعاضدا اجتماعيا يجعلهم يفوزون بالفطور الذي يقدمه لهم السكان بالإضافة إلى جني الكثير من بقايا البلاستيك والكارتون والزجاج والحديد وكلها متلاشيات ونفايات تباع من جديد لأصحاب الخردة بعد نهاية كل جولة نظافة.

إلا أن ما يخيف رجل النظافة الآن هو الشركات الخاصة التي صارت تملأ الدنيا وتستعمر أماكن عديدة مما يزرع في النفس ذعرا حقيقيا من غد مجهول تتخلى فيه الدولة لصالح هذه الشركات عن مهمة جمع النفايات.. فإلى أين سيذهب رجل النظافة؟