وفي نص آخر من السفر نفسه في الإصحاح 13 يقولون: "فاضرب أهل تلك المدينة بحدّ السيف وأبسلها بجميع ما فيها حتى بهائمها بحدّ السيف. وجميع سلبها اجمعه إلى وسط ساحتها وأحرق بالنار تلك المدينة وجميع سلبك جملة للرب إلهك فتكون ركاماً إلى الدهر لا تبنى من بعد".
وفي سفر يشوع في الإصحاح الحادي عشر يقولون: "وعاد يشوع في ذلك الوقت فاستولى على حاصور وقتل ملكها بالسيف, لأن حاصور كانت قديماً رأس جميع تلك الممالك. وضربوا كل نفس فيها بحدّ السيف محرمين إياهم, ولم تبق نسمة وأحرق حاصور بالنار. واستولى يشوع على جميع مدن أولئك الملوك مع ملوكها, وضربهم بحد السيف وحرمهم كما أمر موسى, عبد الرب, فأما المدن الواقعة على تلالها فلم يحرقها إسرائيل بالنار إلا حاصور وحدها فأحرقها يشوع, وجميع غنائم تلك المدن وبهائمها, اغتنمها بنو إسرائيل لأنفسهم. وأما البشر, فضربوهم جميعاً بحدّ السّيف, حتى أبادوهم ولم يبقوا نسمة".
هذه النصوص قليل من كثير مما ورد في العهد القديم وكله يوجه إلى القتل والعنف والعدوان والإجرام, وإذا كانت النصوص الدينية توجه إلى هذا فإن الفكر السياسي عندهم والأدب وكل ما تخطه أقلامهم لن يكون إلا في هذا الإتجاه.
ونصوص التلمود جاءت مكملة لهذا التحريض ضد كل من هو غير يهودي. من نصوص التلمود هذا النص الذي قالوا فيه: "الخارج عن دين يهود حيوان على العموم فسمّه كلباً أو حماراً أو خنزيراً. والنطفة التي هو منها هي نطفة حيوان. وقال الحاخام آبار بانيل: المرأة غير اليهودية هي من الحيوانات, وخلق الله الأجنبي على هيئة الإنسان ليكون لائقاً لخدمة يهود الذين خلقت الدنيا لأجلهم لأنه لا يناسب لأمير أن يخدمه ليلاً ونهاراً حيوان وهو على صورته الحيوانية. كلا ثم كلا, فإن ذلك منابذ للذوق والإنسانية كل المنابذ فإذا مات خادم يهودي أو خادمته وكانا من المسيحيين فلا يلومك أن تقدم له التعازي بصفة كونه فقد أنساناً ولكن بصفة كونه فقد حيواناً من الحوانات المسخرة له".
ويقولون في نص آخر من التلمود لأتباعهم: "أقتل الصالح من غير الإسرائيليين ومحرم على اليهودي أن ينجي أحداً من باقي الأمم من هلاك أو يخرجه من حفرة وقع فيها لأنه بذلك يكون قد حفظ حياة أحد الوثنيين.
بهذه المفاهيم أستطاع يهود أن يؤصلوا صهيونيتهم العنصرية على أسس مبادئهم الدينية التوراتية والتلمودية.
5- جماعات الضغط والصهيونية في الإدارة الأميركية:
إن الصهيونية غير اليهودية تبرز بشكل قوي في الإدارة الأميركية منذ ربع قرن تقريباً وقد توسع انتشار هذا التيار في الإدارة الأميركية الحالية ويقدر أتباعه بما يزيد عن خمسين مليوناً من بين البروتستانت في الولايات المتحدة الأميركية وهؤلاء جميعاً يؤمنون بالذبوءات المزعومة وبالحقوق التاريخية المزعومة ليهود في فلسطين.
زار الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر فلسطين المحتلة في آذار/ مارس من العام 1979 وفي كلمة أمام الكنيست الإسرائيلي قال كارتر العبارة التالية: "إننا نتقاسم معاً تراث التوراة". وكان يقصد بذلك التزام الإدارة الأميركية بالمشروع الصهيوني بكل خطواته التي حددناها سابقاً.
وفي العام 1980 عندما ترشح رونالد ريغن لرئاسة الجمهورية في أميركا اعتمد مع سواه من المرشحين خطاباً انتخابياً برزت فيه الأبعاد الدينية وعملية الإلتزام بالفكر الصهيوني غير اليهودي الذي يلتقي مع الفكر الصهيوني في كل تفصيلاته, وفي عهده بدأ تطور نشاط التيار الصهيوني الأميركي من خلال الإقبال من قبل أولياء الأمور على إدخال أولادهم إلى المدارس التابعة لمؤسسات دينية, وكذلك من خلال بروز القساوسة المتصهينين في وسائل الإعلام, وهذا التيار لا يزال ينمو ويتطور حتى يومنا هذا، ولم يكن ليحصل ذلك لولا الأرض الخصبة ثقافياً في الولايات المتحدة الأميركية حيث البعد الديني الصهيوني الطابع متأصل منذ اجتياح الأرض الأميركية من قبل عصابات الأصوليين المتعصبين في أواخر القرن السادس عشر الميلادي.
من الأسماء البارزة القس بات روبرتسون الذي يملك عدة مؤسسات إعلامية تلفزيونية وإذاعية ويسخرها جميعاً من أجل الدعاية الصهيونية وهو من أبرز جماعات الضغط لصالح العدو الإسرائيلي.
ومنهم القس جيري فالويل وله برنامج تلفزيوني أسبوعي وأحياناً يكون على الشاشة مع بات روبرتسون وكلاهما يبشر بمعركة هرمجدون واقتراب نهاية العالم، ويتهجم على الإسلام وعلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قاما بمثل هذا التهجم في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2002، ومن الأسماء المعروفة بصهيونيتها فرانكلين غراهام وقبله والده بيلي غراهام وكان الأب قسيساً للرؤساء الأمريكان منذ ريتشارد نيكسون في الستينيات حتى بيل كلينتون، وفرانكلين الإبن هو في مهمة أبيه مع الرئيس الحالي جورج بوش.
وهؤلاء جميعاً وغيرهم كثيرون يشكلون أبرز كتل الضغط مع تيارهم لصالح العدو الإسرائيلي ولصالح الأهداف الصهيونية عموماً.
ومن مقولاتهم، تصريح لجيري فالويل في شباط/ فبراير 1983 لصحيفة كوريو تايمز تيليغرام في تكساس قال فيه بأنه يعمل من أجل أن يسيطر العدو الإسرائيلي على كل فلسطين مع أجزاء من الأردن ولبنان وسوريا والعراق والسعودية ومصر والسودان. ويقول في التصريح نفسه: "لقد بارك الله أمريكا لأنها تعاوننا مع الله في حماية اسرائيل التي هي عزيزة عليه".
إن الحديث عن جماعات الضغط الأمريكية العاملة لصالح العدو الإسرائيلي الكثيرة يطول، ولذلك يجب أن يتنبه الكثيرون الى أن جماعات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية تلعب دوراً مكملاً لجماعات الضغط الصهيونية غير اليهودية وكلاهما في الموقع نفسه ولو لم تكن هناك جماعات ضغط يهودية لقام الصهاينة غير اليهود الأمريكان بهذا الواجب.
ولا بد في هذا المقام من تنبيه العرب والمسلمين الى مسألة طالما تساءل عنها الكثيرون ألا وهي، لماذا لا يشكل أبناء الجالية العربية والإسلامية جماعات ضغط (Lobby) لنصرة فلسطين وسائر قضايا الأمة؟
يوجد الآن نشاط عربي وإسلامي متنامٍ وتوجد مراكز ثقافية عربية وإسلامية عديدة لكن ينقصها التنسيق لأن البلدان العربية تتصرف على أساس قطري أكثر من تصرفاتها على أساس قومي شامل.
إن الإدارة الأمريكية التي يقودها بوش في إطار السياسة والإعلام والإقتصاد والأمن يشترك فيها أصوليون في فكرهم الديني ومعهم تجار سلاح ونفط ومخدرات والكل يؤمن بالصهيونية وبمبادئها ويعمل مشحوناً بثقافة العصابة والمافيا محاولاً تحت شعار العولمة، وهي في جوهرها أمركة العالم في السياسة والثقافة والإجتماع الإنساني والإقتصاد، ولأجل تحقيق أهدافهم هذه يظنون أنه بإمكانهم أن يكونوا شرطيي ومصرفيي العالم، ولكن أوجه التصدع في المشروع الامبراطوري كثيرة وتتسع.
إن الصهيونية بنوعيها اليهودية وغير اليهودية وفي موقعيها: العدو الإسرائيلي والإدارة الامريكية، قد تطابق مشروعها ببعده الديني والسياسي والإقتصادي، وأطماعها ومخططاتها التآمرية لا تختلف عن بعضها، ولكن علينا أن ندرك أن قطاعات واسعة من المجتمع الأميركي لا تؤيد الصهيونية ولا المشروع الامبراطوري وعلى العرب أن ينشطوا حركتهم باتجاههم.
6 – إقتراحات في إطار الردع والمواجهة:
إن المشروع الصهيوأمريكي قد استفحل خطره، وعمت شروره الأمة العربية والعالم الإسلامي ومعهما العالم كله، ولا خيار إلا المواجهة ومقاومة هذا الخطر الداهم من أجل تحرير الأرض المغتصبة والمقدسات وحماية الحقوق التي ينوون سلبها. وهذه المواجهة تشمل مختلف الجوانب والميادين ويندرج في إطار مسار المواجهة الأمور التالية:
1 – فضح الفكر العنصري الصهيوني، وتبصير الناس بمقولاته ومفاهيمه العدوانية الخطرة أكانت ببعد ديني أم سياسي أم إقتصادي أم غير ذلك، لأن معرفة العدو هي الخطوة الأولى في مسار المواجهة والردع, ويكفي عرض النصوص أو مستوى الإجرام الذي يمارسه الصهيوأمريكي هذه الأيام في فلسطين والعراق كي يتعرف الجميع على دفائن النفس الصهيونية.
2 – إعتماد المنهج الوحدوي في الفكر والممارسة والتأصيل بوحدة وطنية وقومية راسخة، وبالتالي رفض ومواجهة أي طرح تقسيمي بأي ستار تغطى سواء بالطائفة أو بالمذهب أو بالعرق أو بالإطار الحزبي.. إلخ.
لأن العدو الصهيوأمريكي يخطط من أجل ضرب الوحدة في الإطار الديني والقومي والوطني ضمن السياسة القديمة الجديدة: "فرّق تسُد".
3 – نشر الوعي الثقافي لمواجهة أي غزو واختراق في هذا الموقع مع صياغة مشروع متكامل لفكر المواجهة يتناول الجوانب كافة في ميادين الصراع وساحات المقاومة، وأن ينطلق هذا الفكر من ترسيخ فلسفة الإستشهاد في أجيال الأمة كي يكون التغيير شاملاً.
4 – إعتماد قاعدة صناعة الرعب للعدو في المواجهة ليكون ذلك في مواجهة القوة وتقنية السلاح التي يمتلكها، والرعب الذي يضعف الروح المعنوية للعدو يعتبر الركيزة الأساسية لصناعة النصر والتحرير.
وآثار الإنتفاضة المباركة في فلسطين والمقاومة البطلة في العراق على جيش العدو الصهيوأمريكي تبين بشكل قاطع فعل الرعب في صناعة النصر. ويفيد أن يتذكر الجميع بأن فتح مكة المكرمة كان بإلقاء الخوف والرعب في قلوب المشركين، ويومها قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أوتيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب".
وهذا يعني أن تعتمد الأمة العمليات الفدائية الإستشهادية ضمن مسيرتها الجهادية ضد الاعداء الذين يحتلون بلادنا العربية.
5 – حشد القوى على الصعيد العربي والإسلامي والعالمي لأن الصهيونية والعولمة – الأمركة تستهدف كل الناس وتعمل من أجل السيطرة والإنفراد بالقرار العالمي, وبمقابل ذلك، يجب أن يتم حشد القوى من أجل توليد حركة رادعة لهذه التطلعات غير المشروعة من قبل الصهيوأمريكية.
6 – مقاومة التطبيع، وتفعيل سلاح مقاومة البضائع الإسرائيلية والامريكية لأن الإقتصاد من ميادين المواجهة, وهو عصب أساسي في حياة الأمم, وبالتالي فإن المواجهة الإقتصادية لا تقل أهمية عن وجوه المواجهة الأخرى. وكان أبو جهل يقصد من يدخل في الإسلام من تجار قريش ليقول له: "لنكسدن تجارتك ولنهلكن مالك"، وواجبنا أن نقول ذلك لجورج بوش وزبانيته.
ان الحركة الشعبية العربية معنية بتكثيف الضغط الديمقراطي السلمي على النظم العربية لدفعها باتجاه تحصين الوحدات الوطنية وتوسيع الحريات العامة وإشراك الناس في القرار العام ودفعها نحو التضامن العربي لإنقاذ الأمن القومي المستباح.